مصطفى .. شاب كان له نصيب من العذاب الذي خصصته سجون النظام السوري للمعتقلين .
هؤلاء المعتقلين الذين تم جمعهم من بيوتهم وطرقات السفر وساحات المظاهرات السلمية وأروقة الجامعات .
كل ما فعله مصطفى أنه كان يسعى وراء رزقه، حيث كان لديه ميكرو يعمل عليه، وتم اعتقاله في نهاية سنة 2014 من حاجز قريب من مساكن 3000 شقة في حلب .
يقول مصطفى : اعتقلوني بتهمة ارتكاب أعمال إرهابية و بأنني حملت السلاح ضد الجيش السوري و بأنني كنت أقوم بنقل معلومات للثوار، مع العلم بأني كنت أسعى فقط وراء لقمة عيشي من خلال السفر والعمل على مركبتي، ولم أصل للمحاكمة إلا بعد أربع سنوات ونصف منذ الاعتقال، وتم إصدار الحكم بالسجن 6 سنوات وبعد صدور القرار بتخفيف الحكم لربع المدة، كنت تلقائياً قد قضيت المدة المذكورة وتم الإفراج عني بعدها .
منذ اعتقالي لم أتمكن من التواصل مع أهلي ولا بأي شكل نتيجة تنقلي بين أفرع الأمن، وبعد أن تم نقلي إلى سجن عدرا استطعت التواصل معهم وأخبرتهم بأنني على قيد الحياة ..
عندما سألنا مصفى هل تمكنت من تعيين محامي لمتابعة وضعك وحالتك أجابنا: ما يحصل في سجون النظام مهزلة ومسرحية بعيدة كل البعد عن القانون والحقوق والحريات، في تلك الأثناء حاولت عائلتي تعيين محامي لي ولكن كان ذلك بلا أي جدوى.
من المواقف التي تعرض لها مصطفى: دائماً ما يطلب شاويش السجن السكوت وعدم الكلام، وفي مرة من المرات صدرت بعض الأصوات من المهجع فقاموا باستخراج 12 شاباً كنت واحداً منهم و كعقاب لنا تم حبسنا فيما يسمونه المنفردة ( وهو بالأصل تواليت ) بقينا نحن الاثنا عشر شخصاً في المنفردة واقفين مدة يومين بلا حراك أو جلوس أو استلقاء.
حدثنا مصطفى عن وضعه الجسدي والنفسي فقال : عند اعتقالي كان وزني 93 كغ وخلال جولتي بالأفرع الأمنية خرجت منها بوزن 45 كغ، حيث كان فرع فلسطين لوحده من أصعب الأفرع التي يمكن أن يدخلها إنسان.
أقمت فيه 6 شهور، كل غرفة أو مهجع يتسع مساجين بعدد بلاطات أرضيته, مثلاً الغرفة الحاوية على 100 بلاطة يتم وضع 100 شخص فيها وهكذا، وكان فيها تواليت واحد فقط و مياه الشرب من نفس التواليت وبالأساس المياه ملوثة، النظافة معدومة والآفات الجلدية يصاب بها الجميع هناك.
تفاجأت بمنظر اشخاص كانوا كالعظام المكسوة بالجلد يتحركون كالأشباح، أشخاص آخرين لم يسمح لهم بحلق شعر جسدهم أو وجههم كانوا أشبه برجالٍ من العصر الحجري، أشخاص تم الضغط عليهم وإجبارهم على الاعتراف بعد عرض زوجاتهم أمامهم وتهديدهم بهم، و أصوات الحرائر التي لم تفارق السجن فقد كان لهن نصيبٌ من التعذيب هن واطفالهن.
سألنا مصطفى عن شعوره عند ما تم الإفراج عنه، فأخبرنا: لم أتذوق طعم الفرح بحريتي، فقد توفي والدي في الليلة التي خرجت بها من السجن، لم أودعه ولم أستطلع اللحاق بموكب دفنه حتى.
مصطفى الآن حرٌ يتمنى السلامة لجميع المعتقلين ويخاطب الجهات الفاعلة ومنظمات المجتمع المدني: أي شخص معتقل لا تستطيعون الوصول إليه ومساعدته لا تنسوا أولاده و زوجته وأهله، فعلى الرغم من انشغاله بنفسه و بعذابه يبقى باله وفكره مشغولاً بهم.
نشير إلى أن وضع المعتقلين السوريين يعتبر سيئاً على كافة الأصعدة حيث تم اعتقالهم بصورة تعسفية (دون سبب مشروع ودون إجراء قانوني ) ويتم احتجازهم بمعزل عن العالم الخارجي دون السماح لهم بالاتصال بذوييهم أو بمحامي، ويتم حبسهم في سجون و أماكن غير ملائمة للحياة البشرية، تنتشر فيها الأمراض والآفات، ناهيك عن أكل أنواع التعذيب الممارس عليهم، للإدلاء بشهادات و اعترافات لا تمت لهم بصلة، وعندما يمني أحدهم نفسه بمحاكمة أملاً أنه تنصفه، يتفاجأ بالمحاكمات غير العادلة التي يتجلى بها الظلم والجور بأوضح صوره .
وهنا تجب الإشارة أن منظمة العفو الدولية تدعو الى :
وضع حد للتعذيب و غيره من ضروب سوء المعاملة.
تعيين قضاة مستقلين.
اتباع إجراءات فعالة بحيث يمكن للناس الطعن من خلالها في قضية اعتقالهم و سوء معاملاتهم.
توفير ظروف اعتقال ملائمة.
إجراء تحقيقات فورية و مستقلة عندما يموت شخص في الحجز.
إنشاء هيئات مراقبة مستقلة للقيام بزيارات منتظمة للسجون وأماكن الاحتجاز.
إجراء محاكمات عادلة في غضون فترة زمنية معقولة أو إطلاق سراح المعتقلين.
فأين هي سجون الأسد من هذه التوصيات؟! وأين هي المنظمات الحقوقية العالمية من هذه الانتهاكات؟!