السلم الأهلي
رفض الآخر يولد القمع
و القمع يولد الحقد
و الحقد يولد العنف
و العنف يولد العنف المضاد
و العنف المضاد يولد الجنون
و الجنون يولد التطرف
و التطرف بدوره يولد الإرهاب ..
و بالرغم من كل ما حدث و يحدث يبدو أن البشرية لم تتعلم بعد من نتائج ما أحدثته الحروب الأهلية و النزاعات .
و يأتي منهج السلم الأهلي كقيمة سياسية و اجتماعية ليحل محل العنف و النزاع و ثقافة إلغاء الآخر حيث يعتبر من أولويات الحاجات الاجتماعية و أساس لاستمرار أي مجتمع .
و إذا ما شددنا الرحال عبر التاريخ سنرى بأن العنف و القوة ليسا سبيلاً لتحصيل الحقوق أو الدفاع عن الأفكار و الآراء و أن معظم الانزلاقات و الحروب الأهلية التي حدثت في العديد من البلدان و المناطق كانت نواتها الأساسية هي محاولة الأطراف المختلفة الفكرية و السياسية على قسر و قهر الآخرين و إخضاعهم لشروطهم السياسية أو قناعاتهم الفكرية .
و من المهم أن نفك الارتباط بين الفكر و الإكراه و السياسة و العنف و الرأي و القهر .
فالعنف ليس هو رهان الأفكار الحضارية لأن الدفاع بالقهر و العنف عن الأفكار و القناعات يزيد من ابتعاد الناس عنها .
و مفهموم السلم الأهلي يتطلب على الصعيد المجتمعي نبذ العنف و الإكراه و القبول بالتنوع و التعامل السلمي و الحضاري مع المختلفين و المغايرين .
و إذا كان الناس في مجتمع ما لا يحملون السلاح و لا يلجئون إلى السلاح لأنهم يعيشون تحت وطأة الرعب “كما كان حالنا قبل قيام الثورة السورية” فيجب أن نقول إن السلم لا يسود في هذا المجتمع بل يتعلق الأمر فقط بغياب الحرب .. و السلم ليس مجرد غيابٍ للحرب بل هو فضيلة تجد أصلها في النفس و الروح .
و قد آثرت الشرائع السماوية و الوضعية على حد سواء تقديم الوسائل السلمية بدلاً من الوسائل القمعية و جعلت اللاعنف أولى من العنف يقول الله في القرآن الكريم “يا أيها الذين أمنوا ادخلوا في السلم كافة و لا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدوٌ مبين” و أعتقد أن أبسط ما يمكن أن نفهمه من هذه الآية ” هو أن السلم عمل الرب في حين أن الحرب و العنف عمل الشيطان”
فكل حرب لسبب غير معقول و مع وجود الخيار السلمي هي حرب تسير بلا شك على نهج شيطاني لا على نهج إنساني .
كما يدعونا الله دائماً للسلم و السلام حتى أنه قد أسمى نفسه ب “السلام” .
و وصف نفسه في مبدأ كل سورة ب “الرحمن الرحيم” و بالتالي هل يكون السلام غير (الرحمة و المحبة).
يقول السياسي و الزعيم الروحي للهند المهاتما غاندي “اللاعنف هو قانون الجنس البشري و العنف هو قانون البهيمة !”.
و هناك عصر في أوروبا اسمه عصر الحروب الدينية و الأهلية حيث استمر مائة و واحد و ثلاثين عاماً في كل من سويسرا و ألمانيا و هولندا و انكلترا و اسبانيا و فرنسا و النمسا و سكوتلندا و ايرلندا و الدنيمارك و بوهيميا
قتل في هذه الحروب ملايين البشر و خسرت ألمانيا في حرب الثلاثين عاما نصف عدد سكانها.
و قتلت الحرب الأهلية في اسبانيا 6485 رجل دين و نحو ثلاثمئة و ستين ألف ضحية من العامة .
و رغم كل هذا التاريخ من العداوات و الحروب طويلة الأمد اكتشف الأوروبيون بأن كل ما حصل لم يكن مجدياً و أن كل إنسانٍ حرٌ بطائفته و مذهبه و فكره فالاختلاف شيءٌ لا بد منه.
و انتهت هذه الحروب لتبدأ مكانها العلاقات الدولية الجديدة و ظهر الاتحاد الأوروبي و الدول تحاول خلق مناخ جيد للتعاون في كافة المجالات.
و مجتمعنا السوري عبارة عن فسيفساء قومية و دينية و طائفية ..
و بلجوئنا إلى السلاح و العنف لن نحقن الدماء بل سنزيدها
و لن نعجل الحسم بل سنؤجله
و لن يبقى لنا دولة بل مجموعة عصابات مسلحة يضرب بعضها رقاب بعض
و لن نتمكن من بناء وطننا و حل مشاكله بل ستظهر لنا عند كل أزمة أو منعطف جماعة تقول “هيا بنا إلى السلاح.”
فعلينا أن لا ننسى بأن الثورة السورية لم تقم لتكون مشروع حرب أهلية إنها ثورة الحرية و الكرامة و استعادة الحقوق و الوصول إلى الديمقراطية .
و علينا أيضاً أن لا ندع النزاعات في ما بيننا من مذاهب و مناطق و مدن و مجموعات و زعامات تتغلب على نزاعنا الرئيسي ضد الطغيان و تجهض جهودنا المشتركة لوضع حد لحكم القتلة .
فلنقف جميعاً في وجه كل من يحاول تعطيل نوابض التواصل و التفاهم ليستبدل سوريا بدولة ميلشيات و مافيات
لنصل إلى طريق يمهد لنا بناء دولة المواطنة المتساوية و المؤسسات و حكم القانون .
هذا و من كل ما سبق يجب على السياسيين و المفكرين و العلماء … التعاون و العمل على إيجاد خطة عمل و سياسة محكمة لسحب زمام الأمور من أيدي الغوغاء و المنافقين و بالمقابل تمكينها عند أهل الخبرة و الدراية لتوعية الشعب السورية بأهمية السلم الأهلي و التعايش المشترك و انتشال سوريا من بئر حرب أهلية نحن بغنىً عنها .
و لنتذكر جميعاً بأنه رغم كل الاختلافات في ما بيننا تبقى “إنسانيتنا تجمعنا”
بقلم : مروى الغضبان
نص رائع و فيه العديد من اللفتات العميقة … فعلا علينا ألّا ننسى لما خرجنا … و أن نعييد رفع شعارات الثّورة الّتي خرجنا بها و من أجلها … أبدعت و جزاك الله خيرا