.. مبدعون من بلدي .. مع الكاتبة (جيهان الكردي)
كانت الأقلام والورق وعبير الكتب عشقي الأول؛ فكيف مع عشقك لها تفتح عيون طفولتك وأنت بين هذه الدفاتر، والقرطاسية تختار أجملها، فمع كل عام دراسي جديد كان أبي يذهب للمدينة ليحضر فاتورة القرطاسية الجديدة، كنت أنتظره عند باب الدكان بفارغ الصبر، كان عيداً بالنسبة لي، أساعده في ترتيبها باستمتاع، ويبدأ مسلسل الدهشة، ياااه ما أجمل هذا الدفتر!! وياه ما أحلى ذاك القلم!!
حقاً الحياة لا تعاش دون شغف ودون دهشة، فما زالت في ذاكرتي صورة غلاف أول دفتر كتبتُ عليه، إضافة إلى ذلك فجمال البيت وسعته والأشجار وصفاء الطبيعة، وجو قريتي الجميل كان له تأثير كبير أيضاً.
وهكذا بدأت رحلتي مع الكتابة والورق فمنذ نعومة أظفاري ودون قرار مني بدأتُ أكتب قصصاً للأطفال حيث كنت في عمر عشر سنوات.
لهذا السبب أقول دائماً أن الله اختارني لأكتب ولم أختر أنا، ما يجعلني أسير بخطى ثابتة نحو هدفي وهو أن أصبح كاتبة ومفكرة لها تأثير واسع في العالم.
لم تكن البيئة الحاضنة مهتمة إلى حد كبير بالأدب، عدا عن الكتاب الأول الذي أحضره لي والدي باسم “قصائد”لنزار قباني”، إضافة إلى وجود عدد من الكتب في البيت، مثل كتب مصطفى محمود، ومقدمة ابن خلدون، والمرأة العربية، كان لدي شغف اطلاع بشكل مضحك فكنت أقرأ منها دون أن أفهم.
لم أجد في ذلك الوقت من ينشر لي قصصي وكتاباتي أو يأخذ بيدي، حتى جاء الصف السادس حاملاً معه أروع إنسانة وأرق معلمة، وهي ربيعة العلي؛ حيث شجعتني وساندتني ونبهتني.
في ذات العام نجحت بمسابقة الشعر على منطقتي حيث كتبتُ قصيدة عن فلسطين.
وهكذا رافقتني معلمتي الطيبة حتى الصف التاسع، كان لها فضل كبير علي، كانت المعلمة والصديقة والمرشدة، لا أنسى حين كنا نجلس بحصص الفراغ مثل صديقتين في مقعد واحد، وتشير علي بملاحظاتها حول كتاباتي التي جمعتها في دفتر.
كانت كتاباتي تزداد يوماً بعد يوم، حتى بتُّ في الثانوية أنشر بشكل دائم في لوحة الإعلانات، وكان أمراً مشجعاً ومسلياً.
كما أرسل الله لي معلماً آخر هو فضل الحميدان أعادني بقوة إلى لغتي بعد تراجع، وأحفظ له كل تقدير وامتنان على ما قدمه من دعم وتشجيع.
عند دخولي الجامعة في المجال الذي أعشق “الأدب العربي” كان المشجع والناصح الدكتور علي كردي وله كل تقدير وفضل. أحببتُ أن أذكر الأشخاص الذين ساهموا في مسيرتي الأدبية، لأن من لم يشكر الناس لم يشكر الله، وجود أشخاص بهذا العطاء في طريقك له أبلغ الأثر، هو توفيق من الله ورسالة أن تمضي في هذا الطريق الذي اختاره لك. شاركتُ أيضاً في برنامج يهتم بالمواهب “محطات على الورق” لمدة عامين الذي كانت تبثه إذاعة القدس، وقدم لي المزيد من الزخم والتخفيز، المزيد من أسماء الكتب، المزيد من جبال المعاني وواحات الحروف وجمال الكلمة التي عليّ أن أقطعها بكل ذاك الشوق المعتمر في داخلي.
مع بدايات الأحداث في سورية أصابت قلمي صدمة، كتبت وكتبت دون أن أرضى أبداً عما أكتب، فما حدث جعل كل كلام وكل تعبير عاجزاً أمامه.
قرأتُ الكثير من الروايات والكتب، وظلّ قلمي بروح مصدومة لا يستطيع البوح، ومع مجيئي إلى الأردن صار قلمي مشلولاً تماماً بسبب ظروف معينة لمدة عام ونصف.
بحمد الله منذ شهر شباط هذا العام عدتُ بقوة للكتابة، كانت هذه القوة مفاجئة لي، ولكن قلمي كان بحاجة لشرارة حتى يشتعل فتيله فيقفز فوق الألم والوحدة والغربة والظروف، يحاول مناطحة الغيم، والغوص في سراديب معتمة تلك التي تنتهي إلى النور إلى مدينة كاملة كانت تنتظر فقط لحظة جادة في التنقيب والبحث.
أما عن الرسم، حاولت الاشتراك بدورة للرسم في سورية ولكن حالت الأحداث دون ذلك، فأنا أعشق الزخرفة والرسومات التي تحمل رموزاً، ومع الحنين والغربة ومشاعر متلونة تعصف بالقلب والوجدان، قررت أن ألتفت لتنمية كل شيء أحبه وله في ذاتي مكان، فبدأت أرسم بتوفيق الله منذ عدة أشهر فقط، وأراني أتطور بشكل سريع، وهذا يدل بشكل واضح أن الموهبة تحتاج للكثير والكثير من التدريب، وقبل كل ذلك اكتشافها، فداخل كل منا جوهر والبراعة تكمن في إيجاده والإمساك به ومن ثم صقله أكثر فأكثر. أظن أن الأيام القادمة تحمل الكثير من اللوحات والجمال والكتب والشغف، والعناوين والتوقيعات.
بالتميز الدّائم جيهان
بارك الله بكم فعلا مسيرة متميزة وكلمات رائعة نرجو لها المزيد من التميز…
ماشاءالله… بالتوفيق