“أهوى القراءة؛ لأن عندي حياة واحدة في هذه الدنيا، وحياة واحدة لا تكفيني”، هكذا قال العقّاد كما قال آخرون الكثير من المقولات عن أهمية وضرورة القراءة، وقد انتشرت في الآونة الأخيرة الكثير من مجموعات أو مشاريع القراءة، خاصة مع وجود مواقع التواصل الاجتماعي التي تسهل التواصل، وتقرب المسافات. بدايةً إذا أردنا أن ننشئ أي مشروع فيجب أن يكون لدينا هدف واضح، ومن ثم خطة.. فما الهدف من أي مشروع للقراءة؟ إن كان الجواب: حث الناس على القراءة وخلق جيل مثقف واعٍ مطلع.. هدف جميل ولكن هل المشكلة الحقيقية في القراءة؟ أم في الفكر نفسه؟ هل القراءة المجردة تجعل منا أشخاصاً مثقفين؟ برأيي أن القراءة فقط لا تفعل ذلك؛ فها هو الكتاب العظيم “القرآن” قد تترجم لأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم؛ حيث وُصف بأنه “قرآن يمشي على الأرض”، إذاً انعكاس ما نقرأ على أفعالنا هو الهدف الأكبر والأصعب، مثلاً ما فائدة أن أقرأ عن “التعايش وتقبل الآخر” وأنا في الواقع لا أتقبل ولا أتعايش ولا أستطيع فعل ذلك؟ هناك فكرة شائعة أن العرب لا يقرأون، بينما قال الكاتب أحمد خيري العمري في مقابلة له على قناة trt التركية: “أن الجيل الحالي واعٍ ويقرأ أفضل من جيله”، وقد تكمن المشكلة في أصحاب الفكر والمؤثرين، أو رؤساء المشاريع الفكرية أو الثقافية أو التوعوية؛ وذلك إن كانوا لا يمتلكون القدرة على التأثير الحقيقي، واستخراج المواهب لدى الشباب، والقبض على جوانب الذكاء التي يتمتعون بها ومن ثم استثمارها. إذاً علينا أن نغير نظرتنا إلى أنفسنا، لدينا طاقات كبيرة ربما لا نستغلها بشكل صحيح ولكنها موجودة، لا نريد قراءة تخلق منا أشخاصاً يتحدثون باستمرار ويتناقشون كذلك، نريد حلولاً عملية للمشاكل الكثيرة التي تعاني منها المجتمعات العربية. ومن المآخذ على مجموعات القراءة: يجب أن أحدد أنا ما أقرأ، التلخيص الذي يقدمه أحد القراء ليس بالضرورة أن يعطي صورة كاملة عن الكتاب، وإنما قد تدخل آراء القارئ فيه، وقد يَحذف ما لا يتفق معه، أو ما لا يراه ضرورياً، عدم وجود تقسيمات ورؤى واضحة. ومن المفيد الإشارة إلى رؤية الدكتور عبد الرحمن ذاكر الهاشمي في هذا المضمار؛ حيث يشير إلى ضرورة تحديد الأهداف الشخصية، وتقسيم المجالات المستهدفة إلى: – الدين. – التخصص. – القراءات المتنوعة التي أرغب بها. كما ذكر الهاشمي طريقة لتحديد الهدف الكبير لكل شخص منا في هذه الحياة؛ وهي الطريقة التي استخدمها مع أحد الشباب الذي كان ماشياً في دروب الحياة بلا هدف، ثم أصبح طالباً متميزاً في إحدى الجامعات الماليزية.
الطريقة هي كالتالي: (إن الله يباهي الملائكة ويقول لهم انظروا إلى عبدي فلان بن فلان، وقد أصبح كذا وكذا…). أي تخيّل نفسك وقد أصبحت خليفة لله على الأرض لدرجة أن يباهي الله بك الملائكة، ويذكر اسمك، ماذا تتخيل نفسك؟ من ستكون في هذه الحالة؟ هنا يتحدد الهدف الكلي من الحياة، وبعد ذلك تستطيع أن تحدد ماذا تقرأ؟ وفي أي مجال تزيد ثروتك المعرفية؟ وكيف تستثمر ما قرأت؟ وكيف تطبق؟ كنت أتجنب مرات عديدة أن أكتب في هذا المجال، بسبب شعوري بتقصيري ليس فقط تجاه الناس، بل تجاه نفسي في المقام الأول، ثم إنني كيف أؤثر في الناس إن لم أؤثر في نفسي؟ ولكني وجدتني أكتب دون إرادة، سحبتني الأفكار وجعلتني أكتب ما أشعر أنه ضروري، وربما كنت بحاجة أن أكتبه على الأقل لأوجهه إلى نفسي، قبل أن أوجهه إليكم. أود أن أقول أخيراً أن الهدف السامي ينبع من كون صاحبه لا يبحث عن إرضاء الناس، قول الحقيقة مهما كلف الثمن، كل الذين قالوا الحقيقة ربما تتعرضوا للأذى ولكنهم خلدوا في أذهان الناس، وبقي أثرهم في القلوب كالأزهار التي يبقى عطرها وإن ذبلت، وقد كتبتُ في وقت سابق: “لا أحب الضعفاء الذين يتراجعون عن أحلامهم وجنونهم بسهولة، ولا يتمسكون بشغافهم، وبعاندون رصاصات المستحيل، ليقولوا للعالم أنه ممكن، ممكن جداً. وحدهم الأقوياء يسيرون بخطى ثابتة وإن كانت إلى حتفهم”. بقلم الكاتبة : جيهان الكردي